الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية المنصف بن مراد يكتب: حكومة اجتماعيّـة صلـبـة أو الـمـوت السّريري للبلاد

نشر في  10 أوت 2016  (10:24)

طبيعي ان يعتبر السيد الحبيب الصّيد انّ حكومته حقّقت انجازات وفي الآن نفسه عرفت اخفاقات، وطبيعي ان نحترم جهوده ونقدّرها حق قدرها، لكن وضع البلاد كان ومازال في منتهى الخطورة وهناك اخلالات هامّة يجب ذكرها حتى نحاول تفاديها في المستقبل..
على الصّعيد الاقتصادي كانت أحوال البلاد سيئة الى ابعد حدّ وعلى حافّة الانهيار، وأحسن دليل على ذلك هو قرض حصلت عليه الدولة التونسية حتى تضمن جرايات شهر «أوت» للعاملين في القطاع العمومي، وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها.. لقد أضحت الحكومة التونسيّة اليوم تفي بعدد من التزاماتها بفضل القروض الأجنبيّة وذلك خلافا لمزاعم بعض الوزراء.. انّ الوضع الاقتصادي شبه كارثي وعلى سبيل المثال فقد تمكّنت الحكومة وبعد الزيارة التي أدّاها رئيس الجمهورية للدّوحة من تأجيل تسديد القرض القطري الذي قيمته ألف مليار من مليماتنا والذي استعملته حكومة الترويكا.. ولو لا هذا التأجيل لكنّا وجدنا أنفسنا في أزمة عاصفة! انّ الاقتراض المفرط الذي عمدت اليه حكومات الترويكا وما بعدها هو عملية «اقتصادية اجرامية» لضمان الزيادات في الأجور وتغطية العجز المالي للحكومة علما انّ الحكومات المتتالية لم تصارح الشعب وانبطحت كلّ ما برزت تحرّكات احتجاجيّة، ولو أنّه كان من الممكن إقرار العدالة الجبائيّة والتي كانت كفيلة بتوفير ما يناهز 8000 مليار سنويا لبلادنا، لكن الحكومات التي تعاقبت على السلطة ـ وخوفا من ردّة فعل المهن الحرّة ـ لم تجرؤ على تحقيق هذه العدالة ولا على حمل كبار المهرّبين على ايداع أموالهم في البنوك واستثمارها في المشاريع، مع الإشارة الى انّ مداخيلهم تفوق 25.000 مليار من مليماتنا سنويا! وانّي اقترح على اتحاد الشغل الضغط علي الحكومة لفرض العدالة الجبائيّة مهما كان الثمن وذلك عوض الضغط من أجل الترفيع في الأجور التي تضمنها القروض! أمّا في ما يخصّ التجارة فقد كانت سياسة الوزارة غير صارمة، اذ سمحت لكبار المهرّبين بإغراق السّوق المحلّية بالبضائع رغم ذرّ الرّماد على العيون، في حين كان من واجبها حماية الاقتصاد الوطني بالتعاون مع الديوانة والأمن للحدّ من التهريب، كما كان على وزارة التجارة اعلان حرب رقابية علي مسالك التوزيع (الكيلوغرام من الطماطم يبيعه الفلاح بـ100 مليم تقريبا ويشتريه المستهلك بـ800مليم!!) حتى لا يزداد الوسطاء ثراء بطريقة غير مشروعة..

لقد كان الوزير غير قادر على شنّ حرب على هذه الشبكات المافيوزية، فهل يعلم انّ الكيلوغرام من الغلال (ما عدا البطّيخ والدلاع) أصبح سعره يفوق ثلاثة دينارات وذلك مهما كان نوع الغلّة؟ ثم لماذا لم تشن حرب على المخازن التي يستغلّها المحتكرون ولماذا لم يقع الحدّ من تصدير الكماليات أيّا كان نوعها للحدّ من العجز التجاري الخارجي، ومن غرائب الدنيا انّ وزير التجارة قرّر استيراد 5000 سيارة اضافيّة وتونس تفتقر للعملة الصّعبة!!
وفي الأثناء هناك سؤال هام يبقى مطروحا وهو: هل ستتضافر جهود هذه الوزارة  مع وزارتي الاقتصاد والمالية للتصدّي لكبار المهرّبين واصحاب المهن الحرّة الرافضين للعدالة الجبائيّة وأيضا لكلّ الخارجين عن القانون والمتمرّدين الذين يطالبون بالعمل هنا وفورا!
وبالنسبة الى اختراق الوزارات من قبل الظلاميين أو المتحالفين مع الارهابيين ماذا فعل رئيسا الحكومتين السّابقتين؟ كانت القطاعات ومازالت الى الآن تشكو من هذا الاختراق وكان بعض كبار المسؤولين ومازالوا إلى الآن يأخذون معهم الملفات الحساسة عند مغادرة الإدارة لتقديمها لأحزابهم قبل أن تحفظ وتوظّف عند الحاجة! انّي لا أتفق مع الاستئصاليين لكنّي مع ابعاد ايّ مسؤول اداري متحزّب من وزارات السيادة وأعني الداخلية والدّفاع والعدل، كما انّي مع ابعاد ايّ متحزّب متشدّد من ايّة لجنة برلمانية مختصّة في الأمن والدّفاع ومكافحة الارهاب!
انّ تساهل السيد الحبيب الصّيد مع مثل هذه الاخلالات والخروقات أمر يثبت فشله في مهمّته، ومن أكثر ما يعاب عليه أيضا تغييره لوزير الشؤون الدينية عثمان بطيخ المعتدل بوزير له مواقف سلبية من نقابة الأيمّة التابعة لاتحاد الشغل ومن المثقّفين، فقد زعم أنّ هؤلاء الأخيرين غير مطّلعين على القرآن، وكيف ننسى عزله للإمام علي غربال لأنّه انتقد الأيمّة الذين دعوا للجهاد في سوريا..وفضلا عن ذلك فقد كانت مواقفه متناقضة مع نظيرتها المعتدلة للسيد عثمان بطيخ، أفلا يكفي ما قاسته البلاد من المتشدّدين، ومن نصحه بتعيين هذا الوزير؟

سياسيّا كان السيد الحبيب الصّيد أقرب الى النهضة، مقارنة بكلّ الأحزاب الأخرى، وان لم تكن له ميولات دينية متشدّدة، وذلك في ظلّ انقسامات في نداء تونس الذي عرف انشقاقات أنهكته كثيرا وتسبّب فيها خاصّة حافظ قايد السبسي بمساندة من الذين وظّفوها لتدمير «النداء»
أمّا على صعيد الحرب على الارهاب فقد عرفت تونس تحت ظلّ حكومة الحبيب الصّيد انتصارات هامّة، بعد اخفاقات في باردو وسوسة وشارع محمد الخامس، والفضل في ذلك يعود الى التنسيق بين الجيش والأمن والحرس كما يعود ذلك إلى ابعاد رموز التشدّد من الأمنيين وطبعا بفضل بسالة رجالات الوزارات المعنية ونسائها، علما انّ الانتقادات الجدية ضدّ إطلاق سراح المتهمين في قضايا ارهابيّة من قبل بعض القضاة، ساهمت في تصحيح بعض الأوضاع.. أمّا أغلب الوزارات الأخرى فقد تفاوتت نسب الاخفاق فيها، وقد يردّ ذلك الى مدى خضوع المسؤولين للمصالح الحزبيّة الضيّقة أو المصالح الخاصّة او الى رداءة مردودهم، مثال ذلك اخفاق وزير الشباب في مهمّته، وهو الذي لم يتخذ أيّ قرار ردعي ضدّ انتشار العنف في الملاعب والتلاعب بالنّتائج!
واليوم أمامنا فرصة أخيرة وهي التي ربّما ستتاح للسيد يوسف الشاهد فإمّا ان يعين وزراء أكفاء لهم من صلابة العزم وقوّة الإرادة ما يؤهّلهم لتحقيق برنامج قرطاج وإلاّ أخفق وغرقت تونس، مع التذكير بأنّ مشاكل كبرى تنتظر الحكومة المقبلة خاصّة عند تطبيق إملاءات المؤسّسات المالية الدولية أو لإرضاء النقابات والاستجابة للمطالب الاجتماعيّة والتي سيساندها  أقصى اليسار والحال أنّ الخزينة فارغة..
انّ على يوسف الشاهد ربط علاقات طبيعيّة مع النداء والنهضة واتحاد الشّغل ومنظّمة الأعراف  والقصر ولا مجال لأن يكون دمية بين أيديهم والاّ خابت مساعيه وكبّل يديه بنفسه، وغرقت تونس بانهيار الدولة وافلاسها!